إنّ الوتيرة المتسارعة التي تتطور بها التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، والروبوتات، والأتمتة، والمواد المتقدمة، والحوسبة الكمية، تعمل بالفعل على تحويل النظم التي نعتبرها أمراً مفروغاً منه اليوم. وكشفَت أحد الأبحاث الحديثة أن حوالي 33% من الوظائف في الولايات المتحدة مهدّدة بالإلغاء أو التغيير الجذري بحلول عام 2030. كما أظهرت دراسة أخرى توقعات بظهور 97 مليون وظيفة جديدة مدفوعة بهذا التحول الرقمي. ولهذا السبب، أصبحت الحاجة إلى موظفين ذوي مهارات عالية أكثر أهمية من أي وقتٍ مضى، حتى تتمكن الشركات من التكيّف مع هذا الواقع المتغيّر في اتجاهات التوظيف لعام 2023.
وفي ظل التغيرات الاجتماعية والثقافية والتحديات الاقتصادية مثل التباطؤ الاقتصادي أو التقلبات في سوق العمل، تميل الشركات عموماً إلى تقليل عدد الموظفين الجدُد، وبالتالي أصبح من الضروري لأصحاب العمل وضع استراتيجيات فعّالة لتطوير مهارات الموظفين وإعادة صقل إمكاناتهم وقدراتهم.
الفرق بين تحسين المهارات (Upskilling) وإعادة تشكيل المهارات (Reskilling):
لعل هذين المصطلحين من الأكثر شيوعاً في مجال التعليم والتدريب وربما هما مألوفان لأي شخص يعمل بوظيفة مرتبطة بالتعليم والتدريب أو أي متعلّم بشكلٍ عام. في كثير من الأحيان يتم الخلط بينهما.
– تحسين المهارات (Upskilling): هي عملية الارتقاء بالمهارات لغرض إعداد الموظفين للتغييرات الرئيسية في مناصبهم الحالية؛ أيّ تعلّم مهارات إضافية لتحسين مستوى أداء الموظفين، مما يتيح لهم التكيّف مع التغييرات الوظيفية والتقدّم المستمر في مسار حياتهم المهنية الحالي مع المساهمة بشكلٍ أكبر في الإنتاجية.
– إعادة تشكيل المهارات (Reskilling): هي عملية تدريب الموظفين على قدرات/إمكانيات جديدة لتجهيزهم لشغل منصب/ دور وظيفي مختلف داخل الشركة. وتُعتبر هذه العملية بديل جيّد لاستبدال الموظفين الحاليين بموظفين جدُد يتمتعون بمهارات جديدة، حيث تعتمد على صقل مهارات الموظفين الحاليين للاحتفاظ بهم في الشركة ولكن في أدوار جديدة.
إنّ عملية تحسين مهارات الموظفين وإعادة تشكليها خطوة هامة في أي شركة تسمح لها بإدارة التغيير ووضع خطة تدريبية مستقبلية تضمن للشركة زيادة الإنتاجية والنجاح. حيث تمنح الموظفين التدريبات المناسبة التي تُمكّنهم من التعامل مع التغيرات المستقبلية. وتسمح للشركة بإعادة توظيف الموظفين في مناصب جديدة ومختلفة. وغيرها من الأمور التي تعود بالنفع على الشركة والموظفين.
سنشارك في هذا المقال أفضل الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها لتطوير مهارات الموظفين وإعادة صقل إمكاناتهم وقدراتهم.
1- تحليل فجوة المهارات:
تتغيّر الصناعات بسرعة، وكذلك المهارات المطلوبة للبقاء في القمة في أي مجال أو قطاع. وهنا تأتي أهمية تحديد الفجوة بين المهارات الموجودة لدى الموظفين والمهارات المطلوبة لتحقيق أهداف الشركة. عندما يتم تحديد هذه الفجوة، يمكن للشركة اتخاذ الإجراءات اللازمة لسد النقص وتعزيز مهارات الموظفين.
وللقيام بذلك بفعّالية، ينبغي أن يكون لدى الشركة فهم أعمق لقيمها وأهدافها المستقبلية وأدائها الحالي. بهذه الطريقة، يمكن معرفة المهارات التي يجب أن تمتلكها القوى العاملة لإنجاز مشاريع جديدة أو مبادرات استراتيجية. ثم تأتي مرحلة تحديد الفجوة من خلال رصد وتحديد القدرات الحالية للقوى العاملة من خلال الدراسات الاستقصائية والاختبارات والتقييمات والمقابلات.
2- منح الموظفين الحرية في اتخاذ القرارات بشأن تطورهم الوظيفي:
نحن نؤمن بأن نجاح عملية تحسين مهارات القوى العاملة وإعادة تشكيلها يعتمد على ما إذا كان الموظفون مهتمين فعلياً بالتطوّر والتقدّم في مجال عملهم. في معظم الحالات، يعلم الموظفون ما يحتاجون له –لكنهم غير متأكدين كيف يبدؤون ومن أين. وبالتالي، التركيز على اهتماماتهم المهنية وتسليمهم زمام الأمور التي تخص تطورهم الوظيفي يمكن أن يحفزهم أكثر ويزيد من مدى التزامهم بتعلّم مهارات جديدة. ومع ذلك، يتعيّن على الشركة أيضاً التأكد من أن العملية تجري بما يتناسب مع أهدافها المستقبلية.
3- التنوع في طرق التدريب:
تتباين أنماط التعلم من شخص لآخر، ويمكن للأفراد أن يفضلوا طرائق مختلفة لاكتساب المعرفة، وينطبق الشيء نفسه عندما يتعلق الأمر بتحسين وصقل مهارات الموظفين. إن مزج أنماط التعلّم المختلفة وتوفير فرص متنوعة للتدريب يمكن أن يكون فعالاً في تلبية احتياجات الموظفين المختلفة وتعزيز عملية التطوير المهني. وبالتالي، من المهم أن يكون هناك فهم عميق لأسلوب التعلّم الذي يناسب كل موظف بشكلٍ أفضل حتى يتم تزويده بالتدريبات التي يحتاجها بطريقة يستفيد منها فعلاً.
وبالإضافة إلى أساليب التدريب التقليدية، نقترح تضمين أساليب أكثر حداثة مثل الندوات عبر الإنترنت ودورات التعلّم الإلكتروني والفصول الدراسية الافتراضية وعمليات المحاكاة والألعاب وغيرها من الأساليب التي يمكن أن تجعل التعلّم أكثر متعة.
4- مكافأة الموظفين على جهودهم في تحسين وصقل مهاراتهم
إنّ مكافأة الموظفين على جهودهم في التطور المهني هي جزء من الاستراتيجيات الداخلية لأي شركة، وتُعتبر من الأساليب الفعّالة لتشجيعهم وتعزيز رغبتهم في تحقيق المزيد من النجاح والإنتاجية. ويمكن أن تشمل الحوافز والمكافآت التي يمكن تقديمها ما يلي: التقدير الشفهي، الاعتراف العام، الترقيات، تقديم التمويل للدورات التدريبية الخارجية أو توفير فرص التدريب الداخلي، المكافآت المادية، فرص التطوير المهني، إلخ.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم تصميم الحوافز والمكافآت بطريقة تتناسب مع ثقافة الشركة ومواردها المتاحة. كما يجب أن تكون شفافة ومبنية على معايير واضحة ومُعلنة بشكلٍ واضح للموظفين.
5- تقييم استراتيجيات تحسين المهارات وإعادة تشكيلها بشكل دوري:
يتطلب عالم العمل الجديد من الموظفين صقل معارفهم ومهاراتهم بشكلٍ مستمر، لذلك ينبغي تقييم استراتيجيات تحسين المهارات وإعادة تشكيلها بشكلٍ دوري لضمان فعاليتها، والتكيف مع التغيرات، وتحقيق التحسين المستمر في مهارات الموظفين وأدائهم. إنها عملية هامة لقياس فعالية الجهود المبذولة وتحديد المناطق التي يمكن تحسينها أو تعزيزها، مما يسمح بإجراء التغييرات ذات الصلة عند الضرورة ومواءمتها بشكلٍ أفضل مع احتياجات العمل والموظفين. وفي المقابل، يمكن إنشاء بيئة من التعلّم المستمر تكون أكثر استجابة للاحتياجات المتغيرة بسرعة داخل الشركة.
باختصار، إنّ تحسين المهارات وإعادة تشكيلها يعدان أمران ضروريان في بيئة أعمال متغيرة بسبب الأتمتة المستمرة والتحول الرقمي. لذا، يجب على المؤسسات والشركات الاستثمار في تطوير الموظفين وبناء ثقافة التعلّم المستمر. ومن خلال تهيئة البيئة المناسبة وتشجيع الموظفين على الاستفادة من فرص التعلّم المتاحة، يمكن للشركات جني الفوائد الناجمة عن قوى عاملة مؤهلة ومستعدة جيداً لمستقبل العمل.
ترجمة بيتنا أونلاين؛ المقال مترجم من https://shorturl.at/rtABC