تُشير عدم المساواة بين الجنسين إلى وجود اختلافات غير عادلة وغير متكافئة في المعاملة بين الرجال والنساء في المجتمع. ويتعلق هذا التمييز بالفروق في الفرص والحقوق والامتيازات التي يتمتع بها الأفراد بناءً على جنسهم. ورغم أن عدم المساواة بين الجنسين تؤثر بشكلٍ خاص على النساء والفتيات، إلّا أنها لا تقتصر على ثنائية الذكر والأنثى.
لا تزال مشكلة عدم المساواة بين الجنسين مستمرة في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من تحقيق بعض التقدّم في مجالات مثل التعليم والتوظيف، إلّا أنّ هناك عوامل تزيد من حدة عدم المساواة في العديد من المناطق حول العالم. في هذا المقال، سنستكشف معنى عدم المساواة بين الجنسين، ونستعرض أهم الحقائق المتعلقة بها، كما سنقدّم اقتراحات حول كيفية التعامل مع هذه المشكلة.
ما معنى عدم المساواة بين الجنسين؟
عندما نتحدث عن عدم المساواة بين الجنسين (Gender Inequality)، فإننا نشير إلى التمييز الذي يتعرض له الأفراد بناءً على جنسهم، وتقليل الفرص المتاحة لهم، وزيادة حالات العنف والاضطهاد التي يواجهونها بسبب جنسهم. يؤدي هذا التمييز إلى نتائج غير عادلة وغير متكافئة ليس فقط بالنسبة للأفراد المتضرّرين بسبب جنسهم، ولكن أيضاً بالنسبة للمجتمع بأسره.
لتوضيح معنى عدم المساواة بين الجنسين وتأثيرها، يمكننا الاستناد إلى ستة عوامل رئيسية:
1 - عدم المساواة في الدخل
جنس الفرد يؤثر عادةً على مقدار الأموال التي يجنيها. ووفقاً لتقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women)، فإنّ النساء يحصلن على 77 سنتاً فقط مقابل كل دولار يكسبه الرجال. وتتسع هذه الفجوة عندما تؤخذ في الاعتبار عوامل إضافية مثل العرق والعمر وحالة الهجرة ومسؤولية الأطفال. ويُشار إلى هذا التفاوت باسم "الفجوة في الأجور بين الجنسين"، وله تأثير كبير على حياة الأفراد ويؤثر أيضاً على الاقتصاد العالمي بشكلٍ عام. وأشار تقرير صادر عن شركة الخدمات المالية "موديز أناليتيكس" (Moody's Analytics) إلى أن سد الفجوة بين الجنسين قد يُسهم في تعزيز الاقتصاد العالمي بمبلغ يصل إلى 7 تريليون دولار. وفي الوقت الحالي، قد يستغرق سد الفجوة ما يصل إلى 132 عاماً.
2 - نقص التمثيل السياسي
لقد هيمن الرجال على عالم السياسية لعدة قرون، بينما تفتقر النساء والفئات الأخرى المهمشة إلى التمثيل المناسب. واستناداً إلى البيانات الصادرة في يناير/كانون الثاني 2023، سوف يستغرق الأمر 130 عاماً آخر حتى تتحقق المساواة بين الجنسين في المناصب القيادية في العالم. توجد حالياً 17 دولة فقط تمتلك رئيسة دولة، في حين أن 19 دولة تمتلك رئيسة حكومة. هناك العديد من العقبات التي تُعيق التمثيل السياسي للنساء، مثل التمويل غير المتوازن بين الجنسين، وقواعد الانتخابات التمييزيةـ والتصورات النمطية المتعلقة بالجنسين التي تحيط بالعمل السياسي.
3- عدم المساواة في فرص التعليم
يلعب التعليم دوراً كبيراً في تعزيز المساواة بين الجنسين. فالفتيات والنساء لا تُتاح لهن الفرص التعليمية ذاتها التي يحصل عليها الصبيان والرجال، ما يزيد من العوائق الكبيرة التي يواجهنها لبقية حياتهن. قد يؤدي نقص التعليم إلى تحجيم فرص النساء وقبولهن وظائف غير آمنة ومنخفضة الأجر، ويزيد من مخاطر التعرّض للعنف القائم على النوع الاجتماعي وتدهور الحالة الصحية. وأظهرت الدراسات وجود روابط بين جودة التعليم ومستوى الصحة، وليس فقط بالنسبة للنساء، بل أيضاً لأطفالهن. وعلى الرغم من زيادة فرص النساء في الوصول إلى فرص تعليمية مناسبة على مر السنوات، فإن هناك العديد من النساء في أجزاء محدّدة من العالم مازلن يواجهن هذه المشكلة. على سبيل المثال، مُنِعت معظم الفتيات في أفغانستان من الحصول على أي تعليم بعد الصف السادس بعد استعادة حركة طالبان السيطرة على البلاد.
4 - عدم المساواة في الرعاية الصحية
غالباً ما يؤثر جنس الفرد على مستوى الرعاية الصحية التي يتلقاها، ويعود ذلك بشكلٍ كبير إلى التحيّز. وفقاً للأبحاث، يوجد تمثيل أقل للنساء في المناصب القيادية والدراسات السريرية، وهناك احتمالية أقل أن تُعطى أعراضهن الصحية الاهتمام الكافي. وتساهم عوامل أخرى مثل العرق في تفاقم هذه المشكلة. على سبيل المثال، تتعرض النساء السود في الولايات المتحدة لمخاطر أعلى للوفاة أثناء الولادة مقارنةً بالنساء البيض. ويتأثر الأشخاص المتحولون جنسياً أيضاً بعدم المساواة في الرعاية الصحية، حيث يتعرضون بشكلٍ أكبر للتمييز وبالتالي يتلقون علاجات سيئة أو غير مناسبة، مما يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية.
5- زيادة العنف
العنف القائم على النوع الاجتماعي هو مشكلة عالمية ملحّة تستوجب الاهتمام. وفقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية، تتعرض على الأقل امرأة واحدة من بين ثلاث نساء للعنف الجسدي أو الجنسي. ومن المثير للقلق أن واحدة من كل أربع من هؤلاء نساء في فترة العمر بين 15 و 24 عاماً. ونظراً لأن العديد من النساء لا يُبلغن عن سوء المعاملة بسبب العار أو الخوف من الانتقام، فمن المرجح أن حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي تكون أكثر انتشاراً مما يتم الإبلاغ عنه. بالإضافة إلى ذلك، يواجه الأشخاص المتحولون جنسياً وغيرهم من الأفراد الذين لا يندرجون تحت ثنائية الجندر مخاطر متزايدة للعنف. ويتعرض هؤلاء الأشخاص للتمييز والاعتداءات الجسدية والعاطفية بسبب هويتهم الجندرية.
6- عدم المساواة في المسؤوليات المنزلية
تتجلى عدم المساواة بين الجنسين في توزيع المسؤوليات الأسرية بشكلٍ واضح. قد يبدو أنّ هذا الأمر غير مهم داخل المنزل الواحد، ولكن على مستوى العالم، تتحمل النساء أعباء الرعاية غير المدفوعة بشكلٍ غير عادل مقارنةً بالرجال. فعلى سبيل المثال، تقوم النساء بحوالي 12.5 مليار ساعة من العمل في مجال الرعاية غير المدفوعة يومياً. وعند تقدير قيمة هذا العمل بالحد الأدنى للأجور، يصبح لهذه المساهمة دور في الاقتصاد العالمي بقيمة لا تقل عن 10.8 تريليون دولار سنوياً، وهو أكثر من من ثلاثة أضعاف حجم صناعة التكنولوجيا العالمية.
وفي غياب آليات دعم ملائمة داخل الأسرة أو من خلال الدولة، تجد النساء أنفسهن غالباً أمام خيار من إثنين: البقاء خارج سوق العمل أو العمل على مدار دوامين، واحدة في المنزل والأخرى في مكان العمل.
الحقائق التي ينبغي معرفتها حول عدم المساواة بين الجنسين
1- لم تتمكن أي دولة من تحقيق المساواة بين الجنسين
رصد المنتدى الاقتصادي العالمي تراجعاً بشأن التقدّم المحرز في تحقيق المساواة بين الجنسين، وقدّر المنتدى، في تقرير "الفجوة العالمية بين الجنسين 2023"، أن النساء لن يحققن المساواة مع الرجال لمدة 131 عاماً أخرى، بمعنى آخر، ليس حتى عام 2154. وبحسب التقرير، لم يحقق أي بلد التكافؤ الكامل بين الجنسين حتى الآن، على الرغم من أن البلدان التسعة الأولى (أيسلندا والنرويج وفنلندا ونيوزيلندا والسويد وألمانيا ونيكاراغوا وناميبيا وليتوانيا) قد أغلقت ما لا يقل عن 80 ٪ من فجواتها. ولا تزال أيسلندا تحتل المرتبة الأولى (91.2) للعام الرابع عشر على التوالي، كما أنها لا تزال الاقتصاد الوحيد الذي استطاع سد أكثر من 90 ٪ من الفجوة بين الجنسين.
وبينما يُظهر التقرير تقدماً في مجالات التحصيل التعليمي والارتقاء في فئتي الصحة والبقاء والتمكين السياسي، رصد بعض التراجع بخصوص المشاركة الاقتصادية.
2- جائحة كورونا وتأثيرها السلبي على عدم المساواة بين الجنسين
تم تحقيق تقدم جيّد في سد الفجوة بين الجنسين على مستوى العالم، ولكن جائحة كورونا لم تقف فقط في هذا وجه التقدّم، بل عكسته. أظهرت دراسة عالمية نشرتها مجلة "لانسيت" (Lancet) أن النساء يعانين من آثار اجتماعية واقتصادية أشد من الرجال، وتوسعت الفجوات في مجال التوظيف والعمل غير المدفوع بأجر. كما أصبحت النساء والفتيات أكثر عرضة لترك التعليم ومواجهة المزيد من العنف القائم على النوع الاجتماعي. فلماذا حدث ذلك؟ السبب يعود إلى أنّ جائحة كورونا أدت إلى تفاقم المشكلات القائمة بالفعل. تشكل النساء الجزء الأكبر في القطاع الاقتصادي غير الرسمي الذي تضرّر بشدة جراء الجائحة. ومن الواضح أنه سيتطلب الكثير من العمل الشاق لإعادة المساواة بين الجنسين إلى المسار الصحيح.
3 - عدم المساواة بين الجنسين أصبحت أكثر وضوحاً بسبب تغير المناخ
النساء والفتيات هن أكثر عرضة من الرجال لتأثيرات التغير المناخي والعواقب الناجمة عن الاحتباس الحراري. ينطبق ذلك بشكلٍ خاص على المناطق التي تعاني من الجفاف والفيضانات والمجاعات وغيرها من الأحداث المتعلقة بتغير المناخ. تعتمد النساء في هذه المناطق بشكلٍ كبير على الموارد الطبيعية والزراعة لتأمين لقمة عيشهن. ونظراً لأن التغير المناخي يؤثر سلباً على الأنشطة الزراعية، فإن الفتيات غالباً ما يضطرن إلى التخلي عن التعليم للمساعدة في دعم عائلاتهن. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي التغير المناخي إلى تصاعد الصراعات، مما يعرض الفتيات والنساء لمخاطر مثل الاتجار بالبشر وزواج الأطفال والعنف الجنسي. تتعرض النساء للعديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والصحية بسبب تغير المناخ، مما يؤثر على حقوقهن ومكانتهن في المجتمع.
4 - النساء أكثر عرضة من الرجال للعيش في فقر
النساء أكثر عرضة من الرجال للفقر في العديد من المجتمعات، وهناك عوامل متعددة تسهم في هذا الأمر، بما في ذلك التمييز الجنساني والتحيّز في فرص العمل والأجور، وتحمل المسؤوليات الأسرية والعبء الاقتصادي الزائد على النساء.
وفقاً للتوقعات الصادرة عن "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" و"مركز باردي للمستقبل الدولي" لعام 2022، سيكون هناك حوالي 416 مليون امرأة في حالة فقر مدقع بحلول عام 2030، بالمقارنة مع 401 مليون رجل. هذه التوقعات تُعتبر "سيئة جداً". وحتى في التقديرات الأقل تشاؤماً، يبقى الواقع أن النساء أكثر عرضة للعيش بأقل من 2.15 دولار في اليوم فقط.
5 - عدم المساواة بين الجنسين تؤثر سلباً على الصحة العقلية
هناك العديد من العوامل المعقدة التي تؤثر على الصحة العقلية، لكن الدراسات تُشير إلى وجود صلة بين التمييز الجنساني ومشاكل الصحة العقلية مثل التوتر المزمن والصدمات. تشير الأبحاث أيضاً إلى أن النساء يعانين بشكلٍ أكبر من القلق واضطرابات الهلع والاكتئاب واضطرابات الأكل واضطراب ما بعد الصدمة، وغيرها من مشاكل الصحة العقلية. ومع ذلك، قد يكون من الصعب الحصول على صورة كاملة عن حالة الصحة العقلية في مجتمع ما بسبب الوصمة والقيود البحثية. إضافةً إلى ذلك، إذا كان الرجال يعانون من مشاكل بالصحة العقلية بنفس معدل النساء، ولكنهم إما لا يطلبون المساعدة أو لا يبلغون عنها، فقد يُعتبر ذلك أحد آثار عدم المساواة بين الجنسين.
ما هي الخطوات التي ينبغي اتخاذها للحد من عدم المساواة بين الجنسين؟
تمتد جذور عدم المساواة عبر مجالات مختلفة مثل العمل والمسؤوليات المنزلية والرعاية الصحية والتعليم. فيما يلي أربعة خطوات أساسية يمكن اتخاذها لتحقيق المساواة بين الجنسين:
1- زيادة الدعم المالي للتعليم والخدمات الاجتماعية
على الرغم من تحقيق تقدم جيّد في سد الفجوة بين الجنسين في مجال التعليم، إلّا أنّ هناك العديد من الجوانب التي مازالت بحاجة إلى تحسين في هذا المجال. ينبغي زيادة الأموال المخصّصة لرواتب المعلمين ونفقات التشغيل والبرامج الخاصة بالفتيات. بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما تترك الفتيات المدرسة لأن عملهن يسد الفجوات في الخدمات الاجتماعية. ومع ذلك، يمكن معالجة هذه المشكلة عندما تحصل المجتمعات على الخدمات الاجتماعية التي يحتاجون إليها. يجب أن تكون المدارس مكاناً آمناً أيضاً، لذا يمكن اتخاذ الإجراءات اللازمة في مجال سلامة المباني، وتوفير المياه النظيفة والصرف الصحي، وتطبيق السياسات المتعلقة بمكافحة التحرش والتنّمر، وتدريب المعلمين.
2 - دعم الحقوق الإنجابية
تُعد الحقوق الإنجابية جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان العامة وتُعد أساسية لضمان صحة ورفاهية الأفراد والأسر وتعزيز التنمية المستدامة. تتعلق حقوق الإنجاب بالحق القانوني في التنظيم الصحيح للأسرة، بما في ذلك الحق في منع الحمل والإجهاض وعلاج العقم وضمان الصحة الإنجابية.
توجد اختلافات في درجة تنفيذ واحترام حقوق الإنجاب في مختلف البلدان والثقافات، ويعاني الملايين من الأشخاص من عدم الحصول على الرعاية الكافية في هذا الصدد. يمكن للأفراد اتخاذ إجراءات لدعم حقوقهم في الوصول إلى الرعاية الصحية والحماية القانونية، ومن خلال التطوع أو التبرع بالمال للمنظمات التي تقدّم الإمدادات والخدمات الصحية الأساسية. وترتبط المساواة بين الجنسين بشكلٍ وثيق بالحرية الإنجابية، ولذا يجب أن يتمتع الأفراد بالحق في اتخاذ قراراتهم بشأن الإنجاب، سواءً كانوا يرغبون في الإنجاب أو عدم الإنجاب.
3- الدعوة إلى زيادة الحماية الاقتصادية والمساواة في الأجور
إنّ العلاقة بين عدم المساواة الاقتصادية وعدم المساواة بين الجنسين تُعد أحد التحديات الصعبة التي يجب معالجتها. عندما يتعذّر على الناس المشاركة بمساواة في النشاط الاقتصادي بسبب جنسهم، ينتج عن ذلك سلسلة من التبعات التي قد تؤثر على الرعاية الصحية والإسكان والتعليم والثروة للأجيال القادمة. لذا، تُعتبر التدابير الاقتصادية الوقائية أمراً ضرورياً، مثل إصلاح نظام الميراث وتعزيز حقوق ملكية الأرض. بالإضافة إلى ذلك، فإن تحقيق المساواة في الأجور من خلال توفير أجور متساوية لعمل متساوي وتطبيق ترتيبات عمل مرنة ودعم العمل غير المأجور يُعتبر أمراً بالغ الأهمية أيضاً.
4- الوقوف علناً ضد السياسات والسلوكيات التمييزية
عدم المساواة بين الجنسين ليس مجرد واقع اقتصادي وسياسي، بل له تأثيرات اجتماعية وثقافية أيضاً. يمكن للأفراد أن يتخذوا إجراءات حازمة عبر الاحتجاج على السياسات التي تفرّق بين الأفراد. قد يتجاهل البعض أهمية النوع الاجتماعي، ولكن إذا كانت النتائج تُسهم في استمرار التفاوت التاريخي بين الجنسين أو التمييز الضار، فمن الضروري التصدي لها. وينبغي أيضاً القضاء على السلوكيات التمييزية واستخدام لغة التمييز. فعلى الرغم من أن النكات قد تبدو غير ضارة، إلّا أنها تسبب أذى للأفراد وتعزّز العقائد التي تسهم في استمرار عدم المساواة بين الجنسين.
ترجمة بيتنا أونلاين؛ المقال مترجم من https://shorturl.at/pEK48