ما هي مرونة المجتمع ولماذا هي مهمة؟
نعيش حالياً في عصرً من عدم اليقين، تزداد الكوارث الطبيعية وتلك الناتجة عن فعل الإنسان ومخاطرها المرتبطة وتصبح أكثر تكراراً من حيث احتمال الحدوث ومدى التأثير، كما أن تلك الكوارث لا تتوزع بشكل متساوٍ. عوامل كثيرة تحدد جاهزية المجتمعات لتكون أكثر مرونة في التصدي للمجهول، تتضمن المكان الجغرافي، البنى التحتية الحالية، والموارد التي تمتلكها.
كيف يمكن للمجتمعات أن تستعد للتغيرات بشكل أفضل؟ يمكننا النظر إلى خصائص المجتمعات المرنة وتطبيق استراتيجياتها في مجتمعات أخرى، فمع الأدوات المناسبة، يمكن للمجتمعات في كل مكان أن تملك القدرة للتخفيف من آثار التغيرات والتكيف معها في المستقبل.
إذاً من أين تأتي أهمية مرونة المجتمع؟
إن مرونة المجتمع هي قدرته على التعافي من الكوارث أو التكيّف بشكل مستدام في مواجهة صعوبات جديدة مستمرة، وبما أن الكوارث والتهديدات الأخرى أصبحت أكثر سيوعاً، خصوصاً تلك الناجمة عن التغير المناخي، العولمة والتمدن المتصاعدين، بالإضافة لنمو المجتمعات بشكل عام، سواء من حيث الحجم أو التعقيد.
في الواقع، يقدر الخبراء أن 85% من سكان العالم قد بدأوا بفعلاً بملاحظة الاختلاف في درجات الحرارة وهطول الأمطار بسبب تغير المناخ، ومع لمس التأثيرات السلبية يتضح بشكل متزايد أن جميع السكان لا يتأثرون بهذه التغير بشكل متساوٍ.
مجتمعات السكان من أصل إفريقي في أمريكا هم أكثر عرضة بنسبة 40% للعيش في مناطق يمكن أن تشهد أكبر زيادات في الوفيات المرتبطة بالحرارة، وهي نسبة ترتفع إلى 59% في ظل ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن وكالة حماية البيئة في عام 2021. إذاً كيف يمكننا التخفيف من هذه العواقب؟
عندما نأخد مرونة المجتمع إلى ما هو أبعد من الإغائة في حالات الكوارث الطبيعية، يمكننا البدء في معالجة العيوب الهيكلية في المجتمعات، فتعزيز المرونة يعني تقوية المجتمعات وتعزيز صحتها بطريقة تقلل من التأثيرات السلبية للمخاطر الحالية والمسقبلية.
كيف ترتبط مرونة المجتمع بأنواع المرونة الأخرى؟
تركز نماذج المرونة التقليدية غالباً على أنشطة الاستعداد للكوارث، وقد تشمل هذه الأنشطة قيام البلدية مثلاً بإنشاء خطط استمرارية العمل عند انقطاع التيار الكهربائي في منطقة ما بسبب فيضان مفاجئ، وقد تقوم الحكومات أو المنظمات غير الربحية بتجميع وتجهيز مجموعات الطوارئ والموارد الأخرى لتوزيعها على السكان بعد وقوع كارثة.
بينما تعد هذه الجوانب جزءاً هاماً من الاستعداد للكوارث، يجب على مفهوم مرونة المجتمع أن يذهب إلى أبعد من ذلك، فتحسين مرونة المجتمع سيفيد من يتصدى للكوارث، والحكومات، والفعاليات التجارية وأعضاء المجتمع على حد سواء، مما يجعل أنشطة الاستعداد الخاصة بهم أسها تنفيذاً وأقل عرضة للحاجة إليها. تهدف مرونة المجتمع إلى تعزيز العديد من الأنظمة التي تسهم تعزيز الصحة المجتمعية، ويستند هذا النهج إلى الاستعداد للكوارث بإضافة أنشطة تعزز التماسك المجتمعي، وأنظمة الصحة، والصحة المجتمعية.
تتعلق مرونة المجتمع أيضاً بالمرونة في التصدي لتغيرات المناخ، فمثلما ترتبط بالكوارث الطبيعية الكبيرة، عليها أن تأخذ بعين الاعتبار الأحداث المتزامنة مع الكوارث، فيجب أن يأخذ التخطيط طويل الأمد لمرونة المجتمعات احتياجات المجتمع عامة بعين الاعتبار، بما في ذلك سهولة الوصول إلى الأنظمة الصحية.
ولتكون أنظمة الصحة العامة داعمة حقاً لمرونة المجتمع، عليها أن تكون قوية ومستدامة، إن هدف أي نظام صحي هو منع انتشار الأمراض، والتقليل من الوفيات، وهذا يرتبط بشكل وثيق بالمرونة. تظهر أهمية أنظمة الصحة بوضوح عندما تكون الكارثة عبئاً على النظام (كما هو الحال في جائحة كورونا) ومع ذلك، الأنظمة الصحية الجيدة تولد مجتمعات صحية، مما يساهم في تقوية المجتمعات وزيادة مرونتها.
وكذلك، سيكون النظام الصحي القوي قادراً على تلبية احتياجات المجتمع الجديدة وغير المتوقهة، وسيكون أكثر مرونة لتحريك الأشخاص والمعدات استجابة لأي طارئ. ولكي تندمج الأنظمة الصحية بشكل حقيقي في المجتمع، يجب أن تتواصل بشكل أكثر فاعلية مع السكان لتفهم احتياجاتهم، ثقافتهم، مستوى معرفتهم، وتقاليدهم.
خصائص المجتمعات المرنة:
خطط الاستعداد للكوارث والأنظمة الصحية القوية التي تركز على تقوية المجتمع ليست الخصائص الوحيدة للمجتمع المرن. هناك العديد من الصفات الأساسية التي تحدد قوة المجتمع في مواجهة المصاعب.
إحدى أهم خصائص المجتمع المرن هي الترابط الاجتماعي، عندما يعتبر أعضاء المجتمع أنفسهم جزءًا من كلٍ أكبر، فإنهم يشاركون في المجتمع ويقدرونه وهذا يعزز الشعور بالتماسك والقدرة على التعاطف والتواصل، وهو أمر قد يكون أساسيًا في أوقات الحاجة.
من المهم أن تحظى المجتمعات بالدعم العاطفي والملموس، مثل وجود جهات اتصال وروابط للوصول للموارد المطلوبة. في المجتمعات القوية، يجب أن يكون هذا الترابط على شكل علاقات شخصية وألفة وثقة مع المنظمات المحلية، فهي تساهم في تعزيز شعور الترابط الاجتماعي من خلال توسيع الوصول إلى الموارد مثل بنوك الطعام. عندما يكون للمجتمع وصول أكبر إلى الموارد التي يحتاجها، تزداد مرونة وقوة ذلك المجتمع. إن المجتمع الذي يمتلك شبكات اجتماعية قوية وأنظمة محلية جاهزة يكون مستعدًا للتحرك بسرعة بعد الكوارث. تدعم الأنظمة الصحية القوية، والحكومات المحلية، والمنظمات الأخرى التعافي من خلال الموارد المعدة مسبقًا، مثل المياه النظيفة والوصول إلى الرعاية الصحية لأولئك المتأثرين بالمصاعب، وهذا يعني أن هذه تلك الأنظمة تعمل بشكل وقائي لتقليل العواقب السلبية للكوارث والمصاعب.
هذه الخصائص لا تحتاج إلى أن تكون فطرية في المجتمع، حيث يمكن تشجيعها وتحسينها، فماذا يتطلب بناء مجتمع قوي ومرن؟
- تحسين الترابط والتماسك الاجتماعي.
- زيادة التكامل والمشاركة الحكومية في التخطيط والاستجابة والتعافي.
- ضمان التواصل الفعّال في وقت المخاطر مع السكان، وخاصة المجموعات المعرضة للخطر.
- تعزيز الصحة البدنية والعقلية للسكان.
- بناء الصحة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع.
يعد الترابط والتماسك الاجتماعي جزءاً أساسياً من قدرة المجتمع على رصد وجمع الموارد، والتواصل مع السكان المحليين، والتعامل مع التهديدات، والتعافي من المصاعب. يساعد هذا الترابط المجتمعات على توسيع الوصول إلى الموارد لجميع الأفراد، بما في ذلك الأكثر عرضة للخطر.
استراتيجيات لبناء مجتمع مرن:
بناء المجتمعات المرنة يتطلب جهدًا موجهًا لتحقيق خصائص معينة، وهناك العديد من الأساليب التي يمكن اعتمادها لتحقيق هذا الهدف، ومن أبرز هذه الاستراتيجيات:
- تعزيز وتحسين الوصول إلى الخدمات الصحية والاجتماعية العامة:
تعتبر أنظمة الصحة العامة القوية عنصرًا أساسيًا في دعم المرونة خلال الكوارث. عندما يتعرض الناس للإصابات أو الأمراض أو يحتاجون إلى الطعام والماء بعد وقوع كارثة، يصبح الوصول إلى الرعاية والموارد أمرًا حيويًا. علاوة على ذلك، إذا دعم أعضاء المجتمع المحلي ووثقوا في أنظمة الصحة العامة المحلية، فإنهم يكونون أكثر استعدادًا للاستماع إلى إرشاداتها خلال الأزمات، مما يمكن أن يقلل من النتائج السلبية. على سبيل المثال، إذا تمكن العمدة من بناء ثقة مع المجتمع، فمن المرجح أن يتبع السكان خطط الإخلاء في حالة حدوث فيضان.
- تعزيز الصحة جنبًا إلى جنب مع الاستعداد للكوارث:
تساعد التوجيهات والتدخلات في مجال الصحة العامة المجتمع على التعافي من الكوارث الكبرى ومواجهة التحديات اليومية. المجتمعات التي تتمتع بصحة جيدة بين أفرادها تكون أكثر قدرة على الاستمرار والتكيف مع التحديات الجديدة. في المقابل، يكون المجتمع غير الصحي أكثر عرضة للتأثر بشكل كبير بالكارثة. على سبيل المثال، يمكن أن ثؤثر جائحة على مجتمع ريفي بشدة، نظرًا لأن الوصول إلى الرعاية الصحية في المناطق الريفية أقل بسبب قلة عدد الأطباء.
- توسيع التواصل والتعاون عبر المجتمع:
بالإضافة إلى خدمات المجتمع التقليدية مثل الصحة العامة والرعاية الصحية وإدارة الكوارث، من الضروري بناء شبكات أوسع تشمل المجتمع بشكل عام، بما في ذلك المجموعات والمنظمات المجتمعية والخدمات الاجتماعية. يمكن أن تشمل أمثلة هذه الشبكات اختيار مواقع جديدة لشحن المركبات الكهربائيةلتشجيع استخدامها وتقليل بصمات الكربون، أو شركات الاتصالات التي توفر الإنترنت في المناطق النائية، أو شركات التخطيط التي تحلل العوامل الديمغرافية والصحية عند تحديد مواقع جديدة للمستشفيات. دعم المجتمع للمبادرات التي تساعد المجتمع يعزز من مرونته أيضاً.
- العمل عن قرب مع الأفراد المعرضين للخطر وتقديم البرامج التي تخدمهم:
يجب على المجتمع العمل مع الأفراد الضعفاء لتزويدهم بالاستراتيجيات اللازمة لحماية صحتهم. يمكن لبرامج الدعم أن تجعل الأفراد المعرضين للخطر أكثر مرونة في مواجهة الكوارث. علاوة على ذلك، فإن تقديم المساعدة الأساسية للأفراد المعرضين للخطر يعزز من الصحة العامة والاقتصاد، مما يدعم مرونة المجتمع.
- بناء الترابط والتماسك الاجتماعي:
غالبًا ما يشعر الناس بمزيد من القوة عند مساعدة بعضهم البعض بعد وقوع كارثة كبيرة، خاصة إذا شعروا بأنهم جزء من مجتمع متماسك. المجتمع المتماسك سيرغب في مساعدة جيرانه على إعادة التواصل مع أحبائهم بعد إعصار، أو إصلاح المنازل والشركات المتضررة، أو ضمان الحصول على مياه نظيفة.
تتوفر العديد من الطرق لبناء مرونة المجتمع. ما ينجح بشكل أفضل أو ما هو الأكثر إلحاحًا يختلف بناءً على الاحتياجات الخاصة لكل مجتمع بالإضافة للظروف، والثقافة، فضلاً عن الاعتبارات المتعلقة بالتهديدات الأكثر احتمالاً.
- المرونة لمواجهة الصعاب:
في ظل التهديدات المتزايدة التي تفرضها التغيرات المناخية، والتحضر، والعولمة، أصبحت المرونة المجتمعية أكثر أهمية من أي وقت مضى. كلما كان المجتمع أكثر مرونة، زادت قدرته على التعافي والتكيف مع الأزمات. الاستجابة للكوارث والاستعداد لها يمثلان جانبًا واحدًا فقط من جوانب المرونة؛ فالمجتمع القوي يتميز أيضًا بأنظمة صحية متينة وروابط اجتماعية قوية تضمن قدرة الأفراد على التحمل والتعافي من الناحيتين العقلية والجسدية والعاطفية. من خلال اعتماد الاستراتيجيات المناسبة، يمكن تعزيز المرونة في أي مجتمع، مما يساهم في ضمان استدامته وقدرته على مواجهة التحديات المستقبلية بكفاءة وفاعلية.
المصدر:
https://urbanfootprint.com/community-resilience-meaning/