مقال رأي المجتمع المدني السوري، خصوصية التكوين ومسارات النهضة والتطوير رؤية خاصة

محسن حسن Baytna.online


تاريخ النشر 2023-08-31

عدد المشاهدات 24

أقل من دقيقة للقراءة

مقال رأي المجتمع المدني السوري، خصوصية التكوين ومسارات النهضة والتطوير رؤية خاصة

عنوان المقال: المجتمع المدني السوري: خصوصية التكوين ومسارات النهضة والتطوير رؤية خاصة

بقلم: محسن حسن

بعيداً عن التطرق لتداعيات الوضع السوري المتأزم على مدار سنوات وحتى اللحظة، يتطلب إيجاد صيغ جديدة ومبتكرة لاستعادة فاعلية المجتمع المدني، مراجعات رسمية سيادية، وشعبية جماهيرية، ليست باليسيرة، خاصةً في ظل انهيار البنية التحتية للبلاد، واختلاط الأوراق الميدانية على أكثر من صعيد بين السوريين، لكن المؤكد والمجزوم به، هو أن تلك المراجعات رغم صعوبتها ورغم ما يُتوقع لها من مقارعة العوائق والموانع والتحديات، ليس حدوثها وبلورتها والمضي قدماً في تحقيقها، بالأمر المستحيل على كل حال؛ إذا ما وُجدت النوايا الصادقة للتغيير، وأتيحت الفرص العادلة والمعتدلة لمن يملكون تحقيق ذلك من أهل الاختصاص والخبرة، ولكن من أين يجب البدء؟ وعلى أية أسس يجب رفع البناء وتعليته مجدداً في نسيج المجتمع السوري؟

الخصوصية والتكوين

في سوريا، نحن أمام نسيج مجتمعي غني بالتنوع والثراء والخصوصية العرقية والفكرية والدينية والثقافية، إلى حد كبير، وكبير جداً، وفي مجتمع كهذا، لا يمكن لمؤسسات المجتمع المدني أداء دورها المنوط بها من حيث الإصلاح وتقديم الدعم والمساندة وفق ما هو معروف لدى الأمم والشعوب المتحضرة، إلا بعد تفكيك الموانع والسدود التقليدية التي عانى منها السوريون على مدار سنوات وسنوات، ألا وهي اعتماد الاعتبارات الطائفية والعرقية أساساً للتقييم، سواءً من الناحية الرسمية والسيادية، أو من الناحية الشعبية والجماهيرية، ومن ثم فإن نقطة البدء التي يجب الانطلاق منها نحو الإصلاح المدني، هي تذويب تلك الاعتبارات، أولاً، من خلال الإقرار والاقتناع التام بأن ما عليه النسيج المجتمعي في سوريا من تنوع وثراء، هو ميزة وليس عيباً، وفرصة واعدة للنهضة والرقي، وليس سبباً من أسباب الركود والتخلف، وعاملاً من عوامل البناء والتقدم، وليس معولاً من معاول الدمار والهدم. وثانياً، من خلال تهذيب البعد الأمني، وتنحية الاتهامات المظنونة والمتوهمة من قبل النظام، تجاه الجهود المبذولة من قبل الهيئات المدنية والجماهيرية، ولن يتحقق ذلك إلا مع وضوح القوانين التي تحكم عمل السلطة والأمن والجماهير على السواءـ، شريطة اعتماد الكفاءة والجدارة لا الانتماء والعرق في تقديم المستحق للتقديم وتأخير المستحق للتأخير.

خدمية لا سياسية 

ومن الإشكاليات المستعصية في نهضة وتقدم عمل مؤسسات المجتمع المدني السوري، خلط الخدمي بالسياسي، وفي ظل وجود هيئات حقوقية جماهيرية، دوماً ما تكون النتائج سلبية فيما يخص علاقة السلطة الحاكمة ليس بتلك المؤسسات فحسب، وإنما بعموم الهيئات المدنية الأخرى، وحل هذه الإشكالية من وجهة نظري الخاصة، يكمن في تغليب الأنشطة الخدمية على عمل هيئات المجتمع المدني، دون خلطها بالقضايا والاعتبارات السياسية، وإفساح المجال أمام الأحزاب لتقوم بدورها السياسي الصريح أمام السلطة الحاكمة، وذلك باعتبار الأحزاب مؤسسات سياسية واضحة المعالم، بخلاف الجمعيات الأهلية التي يجب أن تكون أقرب إلى تلبية الاحتياجات الجماهيرية الملحة والضرورية فيما يخص الحياة المعيشية للسوريين، وهذا يقتضي استحداث قانون يُلزم الأولى بتكوين الهيئات المدنية الراغبة في العمل الحقوقي الأقرب بدوره إلى الخوض في القضايا السياسية وقضايا العدالة والحريات، ومثل هذا القانون من شأنه توفير المزيد من الاستقرار  لعمل المجتمع المدني، بل وتحفيزه على التركيز في الأنشطة الخدمية التي تحتاجها شرائح كثيرة داخل المدن والمناطق السورية، والتي تقتضيها اعتبارات إعادة البناء والإعمار خلال المرحلة القادمة، وبالطبع، لا بد من التأكيد هنا على ضرورة قيام الجهات السيادية باحتضان المؤسسات المدنية بدلاً من الصدام معها، مع تقديم الدعم المادي والمعنوي لها، مثلما تقدمه للأحزاب السياسية وما يندرج تحتها.

تكامل وانتماء 

وتقتضي مسارات التطوير الواجبة للمجتمع المدني السوري، أن يتجنب القرار السيادي في البلاد، التعامل مع هذا المجتمع باعتباره مجرد مكونات مجتمعية معارضة أو محدودة التأثير والقدرات، بل على العكس من ذلك، يجب أن يؤمن صاحب القرار بأن الهيئات المدنية هي الأكثر تأثيراً في الحياة اليومية للمواطن المحلي، وبأن تلك الهيئات هي الطريق الأقل كلفة والأقرب وصولاً والأنجح إيجابية، في تطبيق أية خطط إصلاحية على كل الأمداء والأصعدة، ووفق هذا التصور، يجب أن يكون المجتمع المدني هو الأولى بالدعم والمساندة الرسمية للدولة، كما يجب أن يكون الجهة الأكثر حظا من حيث حرية إبداء الرأي، وهنا يجب لفت الانتباه إلى ضرورة أن تكون صور الدعم المقدمة للكيانات المدنية، مبنية على أسس متينة من الرغبة الصادقة في الإصلاح وحل المشكلات وتعزيز الخدمات، وليس على سبيل شراء الذمم أو ترويض الولاءات؛ إذ أن انتهاج مثل هذه الطرق الملتوية، من شأنه ضرب النسيج المجتمعي، وتفتيت قواه، عوضاً عن بنائه وحفظ تماسكه، ومن جهة أخرى، فإن على المؤسسات المدنية السورية، إدراك مخاطر التمايز المتعسف فيما بينها، والعمل على تكامل الرؤى الإصلاحية بعيداً عن اعتبارات المنفعة الخاصة أو تضارب المصالح، وفي نهاية المطاف، عندما تعتدل كفة التعاطي بين القرار السيادي من جهة، والمجتمع المدني من جهة ثانية، ويتكاتف الجانبان في إعلاء الواجب الوطني تجاه عموم الجماهير، دون محاباة أو تفرقة، سيكون ذلك هو النهج الأمثل على صعيد بناء الدولة، وتكريس الانتماء الوطني، واستنهاض الهمم نحو استدراك ما مر من إخفاقات.

مفاهيم أكثر حداثة 

وفي ظل التجربة السورية المريرة، يجب على جميع السوريين في الداخل والخارج، بما فيهم النظام السياسي نفسه، التعاطي مع قضايا المجتمع المدني بمنظور مختلف عن ذي قبل؛ بحيث تكون النظرة إلى تلك القضايا، أكثر حداثة واتساعاً من حيث المفاهيم المكونة لآلية التعاطي المتبادل؛ فإذا كان هدف النظام السياسي كعادة كل الأنظمة، هو الحفاظ على السلطة، فليكن له ما يريد، ولكن دون إفقاد المجتمع المدني دوره في المحاسبة والتقييم وفق آليات ديمقراطية مشروعة ومتفق عليها، وإذا كان المجتمع المدني هدفه تحقيق العدالة والاستزادة من الحريات، فإن عليه أن يعي أن تغيير الأنظمة ليس هو السبيل الوحيد لتحقيق الانتصار والقيام بالتغيير، ومن ثم، يمكن في إطار التجربة السورية بصورتها الراهنة، التوصل إلى مقاربات خلاقة تعمل على حفظ الوطن ضد المزيد من الانهيار والتراجع، وفي الوقت ذاته، تمنح آفاقاً مقبولة للتغيير الإيجابي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

مساحة إعلانية