مقال رأي: ما سُبل تطوير مؤسسات المجتمع المدني السورية؟

محمد محيمد


تاريخ النشر 2023-08-31

عدد المشاهدات 47

أقل من دقيقة للقراءة

مقال رأي: ما سُبل تطوير مؤسسات المجتمع المدني السورية؟

عنوان المقال:  ما سُبل تطوير مؤسسات المجتمع المدني السورية؟

بقلم: محمد محيمد

لعبت الحركات الاجتماعية منذ القرن التاسع عشر دوراً مفصلياً في تغيير النظم السياسية والبنى الاجتماعية. في قلب هذه الحركات تتواجد مجموعات غير رسمية من الأفراد، أو المنظمات الرسمية التي تتبنى الإصلاح الاجتماعي، والتي صار يشار إليها في الآونة الأخيرة باسم منظمات المجتمع المدني، وتصنف على أنها جهات فاعلة غير حكومية لا تهدف إلى تحقيق الأرباح ولا السعي إلى السلطة الحاكمة. تجمع منظمات المجتمع المدني الناس حول أهداف وقضايا مشتركة، وتتحرك بعزم، على المستويين الدولي والمحلي، نحو ممارسة دور أكبر في صنع القرار، والحوكمة، ومعاهد البحوث المستقلة، والتنظيمات العمالية، والعديد من القطاعات الأخرى.

تاريخياً مع ذلك، عانت منظمات المجتمع المدني من التهميش في سوريا، ومازال يُنظر إليها في مناطق السيطرة المختلفة، سواء من قبل سلطات أمر الواقع أو المواطن العادي، بعين الشك والريبة على أنها أذرع لجهات خارجية تسعى للتجسس وجمع المعلومات من مفاصل الدولة الحساسة إلى دخل المواطن المسكين، أو/وأنها تحاول إحداث تغيير ناعم في المجتمع يخالف قيمه وعاداته.

أما العدد غير المسبوق من منظمات المجتمع المدني السوري في السنوات الأخيرة، فينبع من الحاجة لتأمين الإعانات والمستلزمات الأساسية التي عجزت سلطات الأمر الواقع عن تأمينها في ظل الحرب. ومن استفادة أفراد هذه السلطات من بعض هذه المنظمات بشكل مباشر (عن طريق توظيف الأقارب، والعقود اللوجستية، وتحويل العملات، وغيره). أدى هذا الأمر، بطبيعة الحال، لتشكُل تصورين خاطئين عن هذه المنظمات في المجتمع السوري. مفاد الأول أن منظمات العمل المدني ذات مهمة إسعافية تفرضها الظروف المعيشية الطارئة نتيجة الحرب السورية، ولن يكون هنالك أي حاجة لهذه المنظمات حال انتهاء هذا الوضع. الفكرة الأخرى، أن مهمة هذه المنظمات هي توفير العون والمساعدات المادية فقط؛ ومن هنا نفهم سبب التململ العام عندما تسمع السلطات، أو المستفيدون عن مشاريع توعية، تعليم، مناصرة، وغيره. 

ولكن عند الاطلاع على أداور منظمات المجتمع المدني عالمياً نجد أنها نجحت خارج أدوارها المتعارف عليها في الثقافة الشعبية. في فيتنام، على سبيل المثال، وفي ظروف مشابهة للوضع السوري الراهن، لعبت منظمات المجتمع المدني دوراً حاسماً في التنمية بعد الحرب من خلال تعزيز القيم الديمقراطية، والدعوة لحقوق الإنسان، وتقديم الخدمات الاجتماعية للمجتمعات المهمشة. غالباً ما طغى تركيز الحكومة الفيتنامية بعد الحرب على التنمية الاقتصادية على حساب القضايا الاجتماعية والبيئية. هنا برزت مجموعات المجتمع المدني وكان لها دور فعال في تشكيل الخطاب العام والسياسة حول القضايا الاجتماعية والبيئية، ووفرت منبراً للمواطنين للتعبير عن مخاوفهم والمطالبة بمساءلة الحكومة.  

وكان تواجد هذه المنظمات ضرورياً حتى في أوقات السلم. ففي الفلبين مثلاً، نجحت مشاريع التمويل الصغير في إشراك أصحاب المشاريع من ذوي الدخل المنخفض، والأسر الفقيرة، والنساء المهمشات فيما كانت الحكومة تركز على المشاريع الاستثمارية الضخمة.

بالإضافة لذلك تؤدي منظمات المجتمع المدني دوراً مفصلياً في مراقبة تنفيذ المشاريع الحكومية والتنموية، وزيادة الشفافية والمساءلة. حيث أشارت التجربة من مشروع تطوير قطاع الصحة والتغذية في جنوب إفريقيا إلى أن التعاون بين القطاع الحكومي ومنظمات المجتمع المدني حقق قدراً أكبر من الشفافية، وحسن المساءلة، وقدم إدارة أفضل للموارد العامة.

كما ساهمت مشاركة منظمات المجتمع المدني في حملات المناصرة في فهم أفضل لبيئة التشغيل المواتية. في الفلبين، مثلاً، أظهر تقييم برنامج المساعدة القطرية للفلبين أن التحليل المستقل والمشاركة من قبل مختلف أصحاب المصلحة، إلى جانب التشاور المنسق مع الحكومة، قد ساعدا على تحسين فهم وإدارة ديناميات الاقتصاد السياسي. في إندونيسيا، قامت منظمات المجتمع المدني التي تعمل على تعزيز توازن النوع الاجتماعي بدفع وزارة تمكين المرأة وحماية الطفل إلى دمج الموازنة المستجيبة للنوع الاجتماعي في عملية إعداد ميزانية التنمية الوطنية للحكومة، ومراعاة المنظور الجنساني في تخطيط التنمية وتنفيذها.

أخيراً، يمكن للمجتمع المدني أن يعمل كوسيط بين الأطراف المتصارعة. وفي سوريا، حيث أدى الصراع إلى انقسامات عميقة بين مختلف الجماعات العرقية والدينية، يمكن لمنظمات المجتمع المدني العمل من أجل تعزيز الحوار والتفاهم بين هذه المجموعات، الأمر الذي يمكن أن يكون حاسماً لتحقيق السلام الدائم.

إذاً، ما هي بعض طرق تطوير المجتمع المدني في سوريا؟

من الضروري، في المرتبة الأولى، خلق بيئة تمكينية للمجتمع المدني. لطالما كانت السلطات في سوريا معادية لمنظمات المجتمع المدني، مما جعل عملها صعباً. لذلك من الأهمية تشكيل وعي شعبي بأهمية حضور منظمات المجتمع المدني في الأدوار الاجتماعية المختلفة، وأن دورها غير مرتبط بظروف استثنائية. وعلى المنظمات أنفسها عدم تضيع هذا الدور التاريخي عبر الرضوخ لمطالبات سلطات الأمر الواقع، ومن ثم التركيز على المساعدات الإسعافية، وعدم الانخراط في قضايا العدالة والشفافية والحكم الرشيد. 

يتمثل أحد أساليب تطوير مؤسسات المجتمع المدني أيضاً، في توفير التمويل والدعم الذي يمكن أن يساعدها في بناء القدرات، وأن تصبح أكثر فعالية في عملها. كما يمكن للمنظمات الدولية المساعدة في بناء شبكات وتحالفات بين مجموعات المجتمع المدني، والتي يمكن أن تضخم تأثيرها.

نهجٌ آخر، هو بتوفير التدريب والتعليم لقادة المجتمع المدني، حيث تفتقر العديد من المنظمات المحلية إلى المهارات والمعرفة اللازمة لتبني حملات فعالة دون أخطاء. يمكن أن يساعد توفير التدريب والتعليم هذه المنظمات على أن تصبح أكثر فعالية، ويمكن أن يساعد أيضاً في تعزيز الممارسات الديمقراطية وفهم الحقوق العامة.

في الختام، إن تطوير المجتمع المدني في سوريا أمر بالغ الأهمية لتعزيز الديمقراطية، وتقديم الخدمات الأساسية، وتشكيل حكم رشيد يحظى بالتوافق. من خلال الاستثمار في المجتمع المدني، يمكن للجميع المساعدة في بناء سوريا أكثر استقراراً وسلاماً وازدهاراً.

 

مراجع وقراءات إضافية

  • 1999. Completion Report: Second NGO Microcredit Project in the Philippines (Loan 1137). Manila. (pages. 35, 44, and 47)
  • 2006c. Performance Evaluation Report: Rural Microenterprise Finance Project in the Republic of the Philippines (Loan 1435). Manila. (para. 83)
  • 2009a. Civil Society Organizations: Sourcebook: A Staff Guide to Cooperation with Civil Society Organizations.
  • Review Of The State Of The Civil Society Organisations In South Africa, 2008, Community Agency for Social Enquiry Planact Africa Skills Development

 

مساحة إعلانية