أمل ضئيل ومصاعب كبيرة تنتظر السوريين عام 2023

بيتنا أونلاين


تاريخ النشر 2023-02-6

عدد المشاهدات 40

أقل من دقيقة للقراءة

أمل ضئيل ومصاعب كبيرة تنتظر السوريين عام 2023

شهد الشعب السوري عاماً آخر من المعاناة عام 2022، ورغم انخفاض نطاق الهجمات العسكرية من جانب النظام السوري والروس على مناطق المعارضة، إلّا أن العنف مازال مستمراً في أرجاء البلاد، حيث قُتل 64 مدنياً في شهر نوفمبر/تشرين الثاني وحده.

حلّت كوارث أخرى بالسوريين، بينها تفشي وباء الكوليرا الذي أودى بحياة 100 شخص، فيما حطّمت أزمة اقتصادية حياة الملايين من موالين للنظام ونازحين في مناطق المعارضة.

وهزّت اضطرابات عديدة المحافظات الجنوبية، حيث وقعت اغتيالات وانتفاضات صغيرة ضربت محافظة درعا، التي كانت غارقة في طوفان حبوب الكبتاغون المخدرة.

نسلّط الضوء في هذا المقال على ثلاثة ملفات رئيسية يُرجّح أن يكون لها المزيد من الآثار السلبية على حياة السوريين خلال عام 2023.

الأزمة الاقتصادية

يعاني الاقتصاد السوري من أزمة كبرى نتيجة انخفاض قيمة الليرة وعوامل أخرى، ممّا أدى إلى زيادة نسبة الأفراد الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى نحو 90% من السكان.

يُقال الآن إن مشهد الأطفال الذين يبحثون في القمامة بات مشهداً مألوفاً في مدن مثل دمشق، حيث أصبح الفقر أسوأ من أي وقت في الذاكرة الحية.

يقول كرم شعار، مدير برنامج سوريا في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية": "لم تكن الظروف المعيشية بهذا السوء منذ نهاية الإمبراطورية العثمانية، أي منذ أكثر من قرن. لم نر قط أشخاصاً يعيشون في مثل هذه الظروف". 

وقد تفاقم الوضع في مناطق سيطرة النظام بسبب التضخم الذي لا يمكن السيطرة عليه، والعقوبات، ومعدلات البطالة الضخمة، والفساد المستشري، حيث يقول البعض إن سوريا على وشك أن تصبح دولة فاشلة، إن لم تكن قد أصبحت كذلك بالفعل.

يقول شعار إن الكهرباء تصل المنازل لدقائق في اليوم لا ساعات، وقد عزف عمال القطاع العام وآخرون عن الذهاب إلى وظائفهم، مع ارتفاع تكلفة النقل إلى مكاتبهم ومصانعهم بما يزيد عن أجرهم. ويضيف: "إذا كنت موظفاً في مكتب استقبال ويمكنك العيش من الرشوة، فحينئذٍ، نعم، ستستمر في الذهاب إلى العمل. أما إذا كنت تعمل في مصنع أو لا يمكنك الاستفادة من منصبك في القطاع العام، فمن المؤكد أنك لن تعمل في الوقت الحالي".

لم تصل سوريا بعد إلى مستوى المجاعة الكارثي، إلّا أن الجوع منتشر في كل مكان والصورة بالنسبة لعامة السوريين قاتمة.

ومع وصول المحادثات الدستورية بين النظام والمعارضة إلى طريق مسدود، ينعدم الأمل في عودة رجال الأعمال والاستثمار، وأما مساعدات إعادة البناء، فباتت أحلاماً.

يقول شعار: "أعتقد أن النظام يفشل بصورة مروّعة في إدارة الاقتصاد. نحن نقدّر وجود حرب وعقوبات وأن الدعم من روسيا وإيران آخذ في التضاؤل، لكن جوهر المشكلة يرجع إلى سوء الإدارة الاقتصادية".

ويضيف، "رغبة بشار الأسد في الدخول في شراكة مع أي مشروع تجاري ذي جدوى في سوريا يخيف رؤوس الأموال والمستثمرين. إذا استمرت الإدارة الاقتصادية على هذا النحو، لا يمكننا إلّا أن نتوقع أن تسوء الأمور كثيراً."

مازال العديد من المسؤولين وأصحاب المراتب العليا التابعين للنظام يعيشون حياة الرفاهية النسبية، لكن نسبة كبيرة جداً من الموالين له يعانون بشكل رهيب، وكثير منهم من العلويين الذين فقدوا أبناءهم لإبقاء الأسد في السلطة.

ويقول شعار: "من الواضح أن قاعدة الدعم للنظام تتقلص، ونسبة السكان المستفيدين من هذا النظام تتضاءل بشكل كبير".

يعتمد حكم بشار الأسد على كيفية استجابة عناصر النظام أو غيره للأزمة الاقتصادية.

يقول شعار: "يعتمد الأمر على ما إذا كان الناس سيتفاعلون أم لا. إذا قبلوا هذه الشروط، فقد تكون هناك مجاعة، وقد رأينا ذلك في العديد من الأماكن عبر التاريخ."

أدت المجاعة الكبرى في أوكرانيا في عامي 1932 و1933، والدمار الكارثي الذي أحدثته سياسات حملة القفزة العظيمة للأمام (1958 إلى 1962) للرئيس ماو تسي تونغ إلى مقتل الملايين، لكنها لم تسفر عن تحديات كبيرة للنظامين السوفييتي والشيوعي الصيني.

يقول شعار: "الأمر المشترك بين هذه المجاعات هو الافتراض بأنهم لا يستطيعون فعل أي شيء حيال ذلك، لذا يجب أن يتعايشوا مع الوضع. لكنني أعتقد أن الظروف قد تصبح أسوأ بكثير".

بعد القمع المُدمر الذي اتّبعه النظام السوري في أعقاب الاحتجاجات المناهضة للحكومة عام 2011، ووجود جهاز أمني وحشي في مكانه حتى الآن، من المُرجح أن يزن السوريون تكلفة الاحتجاجات بحذر شديد.

الكبتاغون

المخدرات، التجارة الرائجة لنظام الأسد، يمكن أن تستمر في إحداث الفوضى في جميع البلدات والمدن.

تؤدي الأزمة المالية في سوريا إلى قيام المجتمعات الصناعية والزراعية بتحويل خبراتها وجهودها إلى إنتاج الكبتاغون وتهريبه، وهي واحدة من الصناعات القليلة القادرة على جلب أرباح للسوريين الذين يعانون من الفقر. ويُقال إن مسؤولي النظام وقادة الميليشيات يحققون أكبر أرباح من تلك التجارة.

الكبتاغون هو أحد مشتقات مادة الأمفيتامين، وهذه مادة كيميائية منشطة، ترفع المزاج وتقلّل الحاجة إلى النوم وكذلك تقلّل الشهية للاكل؛ إنه المخدّر المفضل لمئات الآلاف في الشرق الأوسط، نظراً لتكلفته المنخفضة نسبياً وقدرته على تعزيز الشعور بالحيوية. ويتراوح مستهلكي الكبتاغون من سائقي الشاحنات في سوريا إلى رواد الحفلات في السعودية؛ وهناك تقارير تُفيد بارتفاع الطلب عليه.

تقول كارولين روز، رئيسة برنامج "باور فايكومز" في معهد نيوزلاينز وباحثة رائدة في تجارة الكبتاغون: "ستزداد تجارة وإنتاج الكبتاغون بلا شك في عام 2023 مع ارتفاع الطلب في أسواق غنيّة مثل دول مجلس التعاون الخليجي، وفتح أسواق جديدة في العراق والأردن ولبنان وشمال إفريقيا".

وتضيف، "من المُرجح أيضاً أن تتطوّر التجارة إلى فتح أسواق عبور جديدة، بعد فرض دول العبور المجاورة مثل الأردن قيوداً على الحدود للحد من تلك التجارة، فضلاً عن تقنيات الحظر والكشف الجديدة في بلدان مثل الإمارات والسعودية".

يسعى الأردن جهده للقضاء على تجارة المخدرات غير المشروعة عبر حدوده من خلال الاشتباكات المسلحة المتكرّرة والدامية في كثير من الأحيان مع المهربين على حدوده مع سوريا.

تقول روز، "في حين أن الزيادة الحادة في جهود المراقبة والحظر الأردنية قد حولت بعض طرق تهريب الكبتاغون في سوريا شرقاً إلى العراق، فمن المحتمل أن يسعى مهربو الكبتاغون إلى استخدام الأردن كدولة عبور رئيسية مع أساليب تهريب مطوَّرة، مثل الأنفاق تحت الأرض ونقل الشحنات عبر طائرات درونز لتجاوز نقاط أمن الحدود الأردنية".

وتضيف: "سيستمر المهربون في استغلال الظروف الجوية خلال فصل الشتاء على طول الحدود السورية الأردنية والانخراط في اشتباكات عنيفة مع قوات الحدود في المناطق النائية عند الضرورة".

كما هو الحال دائماً، غالباً ما يسبق تجار المخدرات مسؤولي الجمارك في أساليبهم، حيث يجدون طرقاً بارعة لتهريب المخدرات إلى دول الخليج، على الرغم من عمليات الضبط الناجحة لشحنات كبتاغون مخبأة في ثمار الرمان أو غيرها من الشحنات التي تبدو بريئة.

وتقول روز: "من المحتمل أيضاً أن نرى أساليب تهريب أكثر تطوراً حيث يحاول المهربون العثور على ثغرات في مواد التغليف وطرق النقل والطرق التي يصعب اكتشافها أو تتبّعها".

ومن العقبات التي يواجهها مهربو المخدرات ومسؤولو النظام الذي يُعتقد أنهم متورطون في التجارة، هي الجهود المبذولة في الولايات المتحدة لمعالجة انتشار الكبتاغون في المنطقة.

وقد فوّض "مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي للعام 2023" وكالة مكافحة المخدرات الأميركية بمتابعة ومراقبة شبكات المخدرات التي يُشرف عليها النظام السوري، والعمل على تفكيكها ما سيؤثر بشكل جدّي على عمليات تصنيع وتمرير المخدرات في سوريا، وسيساعد الدول التي تضررت من اتجار النظام السوري بالمواد المخدرة، على اكتشاف شحنات المخدرات قبل دخولها أراضيها والعمل على تدميرها وحرقها، الأمر الذي سيُضعف المدخول المالي للنظام السوري بشكل حصري.

تقول روز لصحيفة "العربي الجديد" إن القانون "زاد الوعي بقضية الكبتاغون بين صانعي السياسة الأمريكيين الرئيسيين، وسلّط الضوء على علاقات التجارة بخصوم الولايات المتحدة في المنطقة، مثل نظام الأسد، وحزب الله، والميليشيات المتحالفة مع إيران، وأصدر تعليمات لوكالات الأمن القومي الأمريكية للرد بالمثل".

رغم ذلك، يبقى الكبتاغون سلاحاً مهماً في ترسانة النظام السوري، مالياً وسياسياً.

تضيف روز: "بينما لعبت تجارة الكبتاغون دوراً رئيسياً في وقف جهود التطبيع الأردنية مع النظام السوري، إلّا أنها أدت إلى تقارب بين سوريا ولاعبين إقليميين آخرين، مثل الإمارات. لقد روج النظام لتجارة الكبتاغون واتبع سياسة الإنكار كأداة للحصول على مقعد على طاولة الحوارات الإقليمية حول الاقتصادات غير المشروعة. وعبر التلويح باحتمال تعطيل تدفقات الكبتاغون لشركاء محتملين، استخدم النظام هذه التجارة كأداة ضغط على بلدان العبور والبلدان المستهدفة في المنطقة".

السياسة التركية

أصبحت التفجيرات الإرهابية، مثل تلك التي وقعت في إسطنبول في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أقل تواتراً في السنوات الأخيرة، ممّا يدل على تحسّن قدرات الجيش التركي في مكافحة الإرهاب، والتي ربما كانت عاملاً في قرار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بعدم المضي قدماً في هجوم جديد على مناطق سيطرة الأكراد في شمال سوريا، بما في ذلك مدينة كوباني الحدودية.

هناك أيضاً عدد أقل من الهجمات على الدرك التركي والوحدات العسكرية في المناطق ذات الأغلبية الكردية في جنوب وشرق تركيا، وهي علامة أخرى على نجاح استراتيجية أنقرة الحالية لمكافحة الإرهاب.

عندما يتعلق الأمر بسوريا، فإن الاستراتيجية التركية الحالية لمكافحة الإرهاب ستكون كافية لأن الحكومة التركية لا تريد فقدان جنودها في معارك خارجية، خاصة قبل الانتخابات العامة.

ستهيمن هذه القضية السياسية على تفكير أردوغان في عام 2023 وستشكل استراتيجيته لسوريا.

بالإضافة إلى ذلك، شهدت السياسة التركية تجاه سوريا تحولاً جذرياً، من تسليح واستضافة المعارضة عام 2011 (إلى جانب استضافة 3.7 مليون لاجئ سوري) إلى براغماتية جديدة، متأثرة بعوامل داخلية.

وفقاً لإحدى الاستطلاعات، أصبح وضع اللاجئين الآن هو الهم الأكبر بعد الاقتصاد لدى الأتراك المقبلين على انتخابات في يونيو/حزيران القادم. وكثيراً ما تتطرّق المعارضة التركية إلى هذه القضية، وقد دعت إلى التطبيع مع نظام الأسد للسماح بعودة اللاجئين السوريين. يبدو الآن أن أردوغان يتخذ خطوات في هذا الاتجاه. وبذلك، يمكن للناخبين الافتراض بأن لديه خطة وأن علاقاته مع روسيا ستساعده... كما أن التطبيع والمفاوضات قبل ذلك سوف تهدف إلى خلق ظروف أفضل للسوريين للعودة لكن النظام لا يمكن الوثوق به والوضع في سوريا يدفع الناس خارج البلاد.

ستستمر الحكومة التركية في اتخاذ إجراءات تزيد من صعوبة بقاء اللاجئين، وسيقرر الكثيرون العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري أو سيُجبرون على ذلك. لكن التهديدات بالعنف والاعتقال على يد النظام ستكون كافية لمنع معظم السوريين من العودة إلى ديارهم، على الرغم من الظروف الخانقة التي يعيشونها في تركيا. لا يزال الناس يخشون الاعتقال والابتزاز والاختطاف من أجل الفدية، وهو ما يحدث يومياً في سوريا، فضلاً عن غياب أي مساعدة أو دعم.

 

مقال تحليلي نشرته صحيفة العربي الجديد حول الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتعلقة بسوريا لعام 2023؛

 22 ديسمبر/كانون الأول، 2022

ترجمة بيتنا أونلاين؛ المقال مترجم من https://bit.ly/3GuDZnq 

مساحة إعلانية