كيف أصبح المؤثرون المهتمون بالسفر والرحلات أداة دعائية في خدمة النظام السوري؟

بيتنا أونلاين


تاريخ النشر 2022-09-29

عدد المشاهدات 131

أقل من دقيقة للقراءة

كيف أصبح المؤثرون المهتمون بالسفر والرحلات أداة دعائية في خدمة النظام السوري؟

جاي بالفري، الرحالة الإنكليزي الشاب الذي لا يتجاوز عمره 26 عاماً، هو واحد من بين عدد متزايد من المؤثرين وصناع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي الذين زاروا سوريا. اعتاد هذا اليوتيوبر الشاب زيارة بلدان حول العالم وتصوير فيديوهات يبثها عن طريق قناته على "يوتيوب"، وأغلب زياراته تتركز لمدن في الشرق وفي المنطقة العربية ومحيطها من العراق إلى لبنان ومصر وتركيا وإيران والهند وباكستان، وإلى سوريا أيضاً حيث كانت آخر محطاته، والتي اعترف بأنها كانت الأصعب على الإطلاق.

وصف بالفري سوريا بأنها "أكثر منطقة مُدمرة زرتها على الإطلاق"، وأشار إلى أن "الأزمة مازالت مستمرة هناك". وعلى الرغم من مخاوفه الأولية، قام بالفري بجولة في المدن السورية التي يسيطر عليها النظام، حيث تجوّل في حمص وحلب ودمشق وصيدنايا. وكان يرافقه طوال الوقت مرشد سياحي تم تعيينه من قِبل النظام. 

قال بالفري لصحيفة "العربي الجديد"، قبل نشر مقاطع الفيديو التي صورها خلال زيارته لسوريا: " حاولت البحث عن الحياة والناس، لكني بصراحة لم أكن قادراً على التصوير دون أن أشعر بالحزن، كنت أبكي طوال الوقت". 

مع ذلك، وبالنسبة للعديد من السوريين، لم تطرح رحلة بالفري إلى بلادهم معضلة حول السياحة الأخلاقية فحسب، بل كانت أيضاً أداة دعائية لتلميع صورة النظام السوري.

بعد رفع القيود عن السفر بسبب جائحة كورونا، بدأ مؤثرون على موقع يوتيوب بالوصول إلى سوريا بأعداد كبيرة، حيث قدّموا للمعجبين بهم رؤية من الداخل عن البلد الذي يعيش حرباً منذ عام 2011، لكن هؤلاء، الذين يحاولون تقديم أفلام وبرامج عن سوريا، يُتهمون بأنهم، وبطريقة غير مقصودة، يردّدون رواية النظام عن الحرب الأهلية، مما دعا نقادهم لتوجيه اتهامات لهم بأنهم يطبّعون النظام، ويبيّضون صفحته.

وبحسب أيمن عبد النور، مؤسس مبادرة المسيحيين السوريين من أجل السلام، جميع هذه الرحلات هي جزء من استراتيجية مدروسة "أعدّتها مخابرات النظام" لتعزيز سرديّة جديدة بأن الوضع في سوريا يتحسن، وأن البلاد دخلت في مرحلة ما بعد الصراع.

وكجزء من هذه الاستراتيجية، يتم تشجيع المؤثرين والشخصيات السياسية اليسارية المتطرفة مثل رانيا خالق، والشخصيات اليمينية المتطرفة مثل ديفيد دوك على القدوم إلى سوريا؛ وكلّ منهم يُعطي وجهة نظره الخاصة بشأن الوضع في البلاد.

إلى جانب الرسائل السياسية، فإن مشاهد المؤثرين وهم يتجولون مرحاً في شوارع ومناطق نزح عنها ما يقارب الـ 12 مليون سوري تُعد بمثابة انتهاك لهؤلاء النازحين.

وأشار عبد النور في هذا الصدد إلى أن صديقه "شعر بالغثيان عندما رأى شوارع مدينته في مقاطع الفيديو التي صورها بالفري"، وقال:"إنهم يعرفون تلك الأماكن. بإمكان المؤثرين تناول الطعام في تلك الأماكن، لكن السوريين لا يستطيعون لأنهم سوريين".

السياحة عمل مربح جداً

يقول منتقدو هذا النوع من الرحلات بأنها لا تروّج فقط لرؤية النظام وروايته عن الحرب، بل إنها تساهم في ضخ الأموال في الاقتصادي السوري الذي يُهيمن عليه نظام مُتّهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. 

قال عبد النور: "النظام السوري لا يهتم إذا ما انتقده المؤثرون قليلاً. إنه يسمح لهم بقول ما يريدون، مقابل الترويج لفكرة أن البلاد آمنة. وهذا يعني تدفق العملة الصعبة من جيوب السياح". وأضاف أن الهدف الأول لهذه الرسائل هو الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. فالدعاية التي تفيد بأن سوريا أصبحت دولة آمنة لعودة اللاجئين هي المفتاح لتدفق "المليارات" لإعادة الإعمار. والهدف الثاني الأكثر أهمية هو المغتربين السوريين.

قال عبد النور: "هناك أكثر من 11 مليون سوري في الخارج. في صيف 2021، دخل نحو 50 ألف سوري مغترب من الولايات المتحدة إلى سوريا؛ ما يعني تدفق الكثير من العملة الصعبة إلى البلاد. ومن بين هؤلاء، أقام نحو 40 ألف شخص في الفنادق لعدم وجود كهرباء. إنهم مثل السياح الأمريكيين، يجلسون في الفنادق ويأكلون في المطاعم". وأضاف: "لا يبحث النظام عن السياح الأجانب ذوي العيون الزرقاء؛ إذ لديه الكثير من السوريين المغتربين الذين يملكون مئات الملايين من الدولارات".

يبدو أن السياحة تنتعش في سوريا رغم الانكماش الاقتصادي العالمي.

وفي هذا الصدد، أشار رئيس شركة "غولدن تارغت" للسياحة، وهي شركة سياحة سورية تجتذب الأجانب، إلى أن الموسم السياحي جعله يشعر بتفاؤل شديد، إذ أخبر صحيفة “العربي الجديد” بأن "الوضع يتحسّن، والسياح سعداء، ويخبرون أصدقائهم برحلاتهم. الوضع إيجابي بشكل عام".

كان لدى شركة "غولدن تارغت" 550 عميلاً هذا العام. بينما قبل انتشار جائحة كورونا، لم يتجاوز عددهم الـ 170 عميلاً سنوياً. ومعظم عملاء الشركة من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وأستراليا. 

هل من الممكن أن تكون هذه الرحلات خالية من أية أهداف سياسية؟

يؤكد الرحالة والمؤثرون وصناع المحتوى الذين يتوجهون إلى سوريا على أن رحلاتهم لا تنطوي على أية أهداف سياسية. إذ كتب بالفري تعليقات تحت جميع مقاطع الفيديو التي نشرها عن سوريا يؤكد فيها على أنه "ليس شخصية سياسية" وأنه مجرد "سائح". وفي السياق نفسه، كتب مدوّن فيديو آخر، دافود آخوند زاده، ضمن مقطع فيديو التقطه في حمص بأنه "لا يدعم أي شيء حدث أو يحدث في هذا البلد!".

من الواضح أن المؤثرين يدركون الجدل الذي أثاره الزوار السابقون لسوريا والازدراء الذي يمكن أن يولده ما يسمى بـ "السياحة المظلمة" أو سياحة الحرب – زيارة أماكن لديها علاقة بالموت والكوارث والسفر إلى بلدان شهدت أو لا تزال تشهد حروباً.

يُعبّر بعض مدوِّني الفيديو عن ابتهاجهم بالماضي الكئيب لسوريا، مستخدمين السحر الذي يحيط بمغامرات السفر إلى بلد مزقه النزاع وذلك لزيادة عدد المشاهدات. يصرّح هؤلاء بأن سوريا آمنة تماماً على عكس ما تقوله وسائل الإعلام، ويحثّون جمهورهم على المجيء لرؤية ذلك بأنفسهم. وفي خضم هذه العملية، يُقدّم المؤثرون تفسيراتهم الخاصة حول الحرب الأهلية والثورة في سوريا.

قال آخوند زاده في مقطع الفيديو الذي التقطه في حمص: "حصل المتمرّدون على أسلحتهم من دول أجنبية ... وكانوا يطلقون النار على المدنيين والجيش السوري، لذلك كان من الطبيعي أن يقوم الجيش السوري بالرّد".  تفسيره هذا – الذي هو مجرد تبسيط فادح للثورة السورية – هو نسخة سطحية لما يقول الخبراء بأنها شبكة كثيفة من المعلومات المُضلِّلة تدور حول سوريا على الإنترنت.

ومن الأمثلة الصارخة على ذلك انتشار مقطع فيديو على موقع "تيك توك" يُظهر لقطات جوية لحمص المُدمرة مرفقاً بتعليق "سوريا بعد أن دمرتها أمريكا"، على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تُسقِط قنبلة واحدة على حمص، لكن الفيديو حقق مليوني مشاهدة.

يدرك مؤثرون آخرون، بينهم بالفري، الفكرة القبيحة لـ "السياحة المظلمة" ويحاولون التعليق بنزاهة على التاريخ الكئيب للبلاد.

في أحد مقاطع الفيديو، يأخذ بالفري وقته بالتجوّل بين الأنقاض في حلب، ويصف بحزن المدينة التي دمرتها الحرب، لكنه لم يوجه مطلقاً اللوم إلى أطراف محددة في التسبب بدمار المدينة. ثم بعد ذلك، يخاطب بالفري الكاميرا بشكل مباشر من غرفته بالفندق، ويصف فظاعة الوضع الإنساني للعائلات التي سيتعيّن عليها تحمل فصول الصيف القاسية والشتاء القارس. ثم أرفق رابط موقع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) تحت الفيديو لمن يرغب من المشاهدين بالتبرع.

أكد بالفري مرة أخرى بأنه مجرد سائح لا علاقة له بالسياسة، إذ لم يكن يعلم، على سبيل المثال، أن مدينة صيدنايا، أحد المحطات السياحية التي تضمنتها رحلته إلى سوريا، هي المدينة التي يقع فيها سجن صيدنايا، أحد السجون السورية فظاعة حيث تعرّض آلاف السجناء فيه للتعذيب حتى الموت. 

مع ذلك، كان يدرك أن وجوده في البلاد لم يكن محايداً. 

قال بالفري: "إذا كانت زيارتي إلى سوريا جزءاً من السياحة المظلمة، فربما ليس من المناسب أن أذهب إلى هناك، بينما لاتزال الحكومة تفعل هذه الأشياء لشعبها". وأضاف أنه لو كان يعلم مدى حساسية هذا النوع من الرحلات إلى دولة مثل سوريا، فمن المحتمل أنه لم يكن ليذهب في المقام الأول. لكنه رغم ذلك، مازال يقوم بتحميل مقاطع الفيديو الخاصة به على قناته على يوتيوب. 

ترجمة بيتنا أونلاين؛ المقال مترجم من https://bit.ly/3TEQrqt 

 

مساحة إعلانية