هل العمل في القطاع غير الربحي مناسبٌ لك؟

بيتنا أونلاين


تاريخ النشر 2023-04-26

عدد المشاهدات 133

أقل من دقيقة للقراءة

هل العمل في القطاع غير الربحي مناسبٌ لك؟

قبل حوالي عشر سنوات، عرّفني أحد الأصدقاء على شخص يبحث عن موظف لشغل منصب في منظمة عالمية تعمل في مجال حقوق الإنسان وأطلقت أول مكتب لها في الهند. في ذلك الوقت، كنت أدير شركتي الاستشارية الخاصة ولدي خبرة سابقة في عالم الشركات، والقطاع عير الربحي كان بمثابة منطقة مجهولة تماماً بالنسبة لي.

كان لدي خيارين: إما البقاء في عملي الحالي أو الانضمام إلى مسار جديد تماماً. لكني طرحت على نفسي السؤالين التاليين اللذين ساعداني على توضيح المسار الذي يجب اتباعه:

1) هل أنا متحمّس للقضايا التي تحاول هذه المنظمة غير الربحية معالجتها؟

2) هل لدي ما يكفي من المهارات التي تُمكنني من إضافة قيمة حقيقية إلى مهمتها؟

ربما ما دفعني لقبول العرض هو روح المبادرة لديّ وانفتاحي على التحديات الجديدة، وكنت متحمساً للمساعدة في سد الفجوات الاجتماعية والاقتصادية في المناطق الريفية في الهند.

كانت مهمتي دعم مبادرات إدارة التمويل الخاصة بالمنظمة. وكان التمويل نقطة قوتي وكنت واثقاً من قدرتي على تحقيق النتائج. ولكني شعرت أن الأمر لن يكون سهلاً بمجرد أن بدأت العمل. تم وصف أفكاري الأولية على أنها "عدوانية للغاية". كان يتمتع زملائي بخبرة ومعرفة كبيرة حول تفاصيل العمل أكثر مني بكثير، وتلاشت ثقتي بنفسي بسرعة لم أكن أتوقعها.

استغرق الأمر بضعة أشهر لفهم كيفية جمع التبرعات وعقد الشراكات في القطاع غير الربحي، لكنني واظبت على العمل، وفي النهاية سارت الأمور على ما يرام. أنا الآن أعمل مع المؤسسات الخيرية الدولية، وقد كرّست العقد الأخير من حياتي لتنفيذ البرامج الاجتماعية التي تهدف إلى الحد من الفقر. 

سأناقش في هذا المقال بعض الحقائق التي يجب مراعاتها قبل اتخاذ القرار العمل في القطاع غير الربحي.

ليس هناك اختلافات كبيرة بين القطاعات الربحية وغير الربحية كما يظن البعض

اسمحوا لي أولاً أن أتطرّق إلى أسطورة شائعة وهي أن القطاعين الربحي وغير الربحي يتعارضان مع بعضهما البعض؛ تقول الأسطورة على الأخص أن المنظمات غير الربحية يقودها أفراد متحمّسون وشغوفون يعملون معاً من أجل قضية جماعية، بينما أصحاب الشركات هم أفراد متعطشون للمال يتنافسون لتلبية احتياجات المستهلك.

لكن الحقيقة هي أكثر تعقيداً من ذلك.

نعم، لدى كل قطاع فلسفته الخاصة التي توجهه، ولكن بصفتك موظفاً، يتعيّن عليك التركيز على النقاط المتشابهة في كلا العالمين: بناء المهارات القابلة للتحويل –التي يمكن استخدامها في أدوار أو صناعات مختلفة– حل المشكلات بطرق فريدة، إحداث تأثير، وإيجاد السبل المناسبة لتنمية حياتك المهنية. وبالمثل، فإن القضية بالنسبة إلى منظمة غير ربحية هي ما يعنيه العميل بالنسبة إلى الشركة: كلاهما أصحاب المصلحة. وفي كِلا القطاعين، يتم اتخاذ كل القرار مع وضع القضية أو العميل في عين الاعتبار.

أنت بحاجة إلى المهارات، فالشغف وحده لا يكفي

وجود مجموعة متنوعة من الاهتمامات هو أمر جيّد في العالم غير الربحي، تماماً مثل أي مكان آخر. أي مهنة هي رحلة استكشاف! ربما تضطر إلى العمل في عدة منظمات مختلفة قبل العثور على إيقاعك الخاص، ولكن مع مرور الوقت، ستجد العمل الذي يلقى صدى عميقاً داخلك ويلهمك للالتزام به على المدى الطويل.

ومع ذلك، الشغف وحده لا يكفي للنجاح. فأنت بحاجة أيضاً إلى تطوير المهارات اللازمة لدعم القضية التي تهتم بها.  وبحسب طبيعة العمل الذي ستقوم به، قد تتضمن هذه المهارات إجراء استطلاعات في منطقة نائية (أو حضرية) في دولة ما للحصول على معلومات وملاحظات من الأشخاص المحتاجين، حشد أعضاء المجتمع، تصميم البرامج أو المنتجات التي تدعم مهمة منظمتك، التعرّف على نماذج التغيير، أو تأمين الأموال لإيجاد حلول للمشاكل التي تحاول معالجتها. وبغض النظر عن القضية التي تختارها، فمن المحتمل أن تقوم بواحدة على الأقل من هذه المهام.

هناك طرق عديدة لإحداث تأثير

بشكلٍ عام، يمكن تقسيم الأدوار في منظمة غير ربحية إلى فئتين:

الأدوار التي تتطلّب العمل الميداني

ينطوي العمل في القطاع غير الربحي عموماً على بناء العلاقات والعمل مباشرة مع المجتمعات أو الأفراد، الذين يُطلق عليهم اسم "المستفيدين". على سبيل المثال، لنفترض أنك تعمل في منظمة مهمتها تحسين المدارس في المناطق منخفضة الدخل؛ وفي هذه الحالة ستقوم ببناء علاقات مع الطلاب والمعلمين والحكومة المحلية وإدارة المدرسة. وقد يُطلب منك إجراء دراسات استقصائية كمية أو نوعية، أو مراجعة البرامج التعليمية الموجودة في المنطقة، أو المساعدة في تطوير خطة عمل. في جميع الحالات، تتطلّب هذه الأدوار مهارات تنفيذية قوية ونهجاً عملياً.

في القطاع الاجتماعي، تشمل بعض الوظائف الأكثر شيوعاً في هذه الفئة ما يلي:

– الموظف المعني بإجراء الدراسات الاستقصائية: وهو الشخص الذي يُجري المسوحات والبحوث في المنطقة المُستهدفة.

– المسؤول الميداني: يعمل بشكل فردي مع المستفيدين.

– المُدرب: المعلمين والمدربين أو غيرهم من الأفراد الذين يعملون مباشرة مع المستفيدين.

– الوسيط: وهو شخص يقوم بالتنسيق بين المستفيدين وأصحاب المصلحة الآخرين مثل موظفي المقر الرئيسي للمنظمة والسلطات المحلية، إلخ. 

الأدوار الداعمة 

 من المحتمل أن تنطوي هذه الأدوار على العمل مع إحدى المجموعات التالية: الشركات، المنظمات الخيرية، أصحاب الثروات، المؤثرين، حملات المناصرة العامة أو المسؤولين الحكوميين. وقد تتضمن مسؤولياتك البحث عن مصادر التمويل أو تطوير الشراكات مع أصحاب المصلحة أو نشر الوعي من خلال التواصل الاستراتيجي، إلخ.

تشمل بعض الوظائف الأكثر شيوعاً في هذه الفئة ما يلي:

– الخبير في مجال العمل: وهم الخبراء المتخصصون الذين يديرون مشاريع محدّدة في المنظمة؛ مثلا في المنظمات التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، قد يكون هناك خبير في صحة النسائية، وخبير الاستدامة، وخبراء في حقوق الطفل، إلخ..

– المُحلّل: وهو شخص يقوم بتحليل السياسات أو البيانات أو الأنظمة أو نماذج العمل لتحسين عملية صنع القرار.

– الباحث: يستخدم البيانات الميدانية ودليل الحالة والأبحاث الثانوية والتجارب لتكوين رؤى قابلة للتنفيذ حول قضية ما أو فئة من المستفيدين.

– خبير السياسة العامة: وهو الشخص الذي يُقدم التوجيه بشأن الشؤون العامة والإدارة العامة وصياغة السياسات مع مراعاة المنظورات المحلية والوطنية والعالمية.

– مدير المناصرة: وهو الشخص الذي يبني رؤية للمنظمة من خلال حملات دعائية.

– مختص التواصل: يضع الإستراتيجيات ويطور رسائل ومواد التواصل لمشاركتها مع مختلف أصحاب المصلحة مثل المتبرعين ووسائل الإعلام وأقران الصناعة وعامة الناس.

– مدير الحملة: الشخص الذي يصيغ ويدير حملات تسويقية لقضايا أو خدمات أو أحداث للحصول على الدعم للمنظمة.

– مدير البرنامج أو المنتج: يقود الإدارة الشاملة للمبادرة أو المشروع التنظيمي، ويتعاون مع المستفيدين ويدعم المنظمة وأصحاب المصلحة ووحدات التسويق الخاصة بها.

– مسؤول التمويل: وهو المسؤول عن جمع الأموال وبناء شراكات مع منظمات أو جهات مانحة أخرى.

إنّ فهم طبيعة الوظائف المتاحة هو الخطوة الأولى نحو إيجاد الوظيفة المناسبة لك. الخبر السار هو أن هذه الأدوار متعدّدة المهام، أي يجب على الأشخاص سواء كانوا يعملون في الميدان أو ضمن الأدوار الداعمة أن يتعاونوا معاً لتحقيق أهدافهم الجماعية.

بالإضافة إلى ذلك، ليس من الضروري لمن يرغب في العمل في القطاع غير الربحي أن يحصل على شهادات أكاديمية في مجال العلوم الاجتماعية أو الدراسات التنموية أو السياسة العامة. ليس هناك مشكلة في الحصول على تعليم أكاديمي في إحدى هذه المجالات، ولكن ذلك ليس شرطاً أساسياً للتوظيف. ما تحتاجه فعلياً هو بناء مهارات قابلة للتحويل، والتي تشمل "المهارات الشخصية" (Soft Skills) و"المهارات التقنية" (Hard Skills). 

المهارات الشخصية 

المهارات الشخصية هي قدرات تسمح لك بالتفاعل مع الآخرين بسلاسة وفعّالية. وهي تشمل مهارات التواصل وحل المشكلات والعمل الجماعي. وتُعتبر المهارات الشخصية هامة على نحو خاص في القطاع غير الربحي، فقد يتضمن جزء كبير مهامك بناء العلاقات، سواء كانت العمل ميداني أو داعم.

قد يكون العمل في القطاع غير الربحي صعباً ومعقداً بعض الشيء، وخاصة في البداية. وربما ستنتابك مشاعر مختلفة ومتضاربة، قد تصل إلى حد التشكيك في الإنسانية نفسها؛ (لماذا من الصعب إقناع الناس بتقديم المال لمشكلة يعلم الجميع أنها حساسة؟) القدرة على التفكير ومعالجة مشاعرك والتعامل مع المواقف بطرق صحية هي مهارات ينبغي عليك تطويرها.

المهارات التقنية

المهارات التقنية هي التي تحصل عليها من خلال التجارب العملية أو نتيجة الدورات التدريبية أو التعليم المتخصّص. باختصار، لكل وظيفة مهاراتها التقنية الخاصة بها. ستساعدك هذه المهارات على تضييق نطاق الأدوار التي تناسبك فعلاً، وتشمل هذه المهارات تحليل البيانات، كتابة المحتوى، التمويل، التصميم أو وسائل التواصل الاجتماعي.

للاستفادة من مهاراتك التقنية، عليك أولاً معرفتها. مثلاُ، هل أنت جيّد في البحث أو الحسابات الرياضية أو الكتابة؟ اطلب من زملائك في العمل تقديم ملاحظاتهم لمساعدتك في تحديد نقاط قوتك.

المنظمات غير الربحية (كما يوحي الاسم) لا تسعى لتحقيق الأرباح

الحقيقة المرّة هي أن رواتب الموظفين في المنظمات غير الربحية أقل من الرواتب في الشركات. المنظمات تعمل من أجل عامة الناس، ولذلك يتم إنفاق التبرعات والمنح في تنفيذ البرامج وليس على الرواتب. هذا لا يعني أن المنظمات غير الربحية لا ترغب في الاستثمار في المواهب الجيّدة، ولكن نسبياً، من غير المحتمل أن تكسب ما يكسبه موظف يعمل بمستوى مماثل في مؤسسة ربحية.

ولذلك، يجب أن تسأل نفسك السؤال التالي: "ما مدى أهمية المال بالنسبة لي في هذه المرحلة من الحياة؟"

مع ذلك، بذلت العديد من المنظمات في الآونة الأخيرة جهوداً واعية لرفع الأجور وخلق ثقافات عمل تضمن رفاهية الموظفين، وذلك إدراكاً لأهمية جذب المواهب الخاصة والاحتفاظ بها من أجل تحقيق التغييرات المرجوة.

التغيير الاجتماعي لا يحدث بين عشية وضحاها

عندما بدأت العمل في منظمة غير ربحية، قمت بإجراء زيارة ميدانية إلى قرية نائية في ولاية جارخاند، شمالي الهند. لم يكن لدي أي معرفة باللغة المحلية أو تفاصيل المنطقة، وتم تضليلي بشكل مباشر من قبل السكان المحليين الذين كانوا يخشون أن أكون جزءً من جماعة للإتجار بالبشر، وكانت تتعقبني مجموعة مسلحة أينما ذهبت تقريباً. استغرق الأمر 19 يوماً حتى تحدث السكان المحليون معي بعدما نلت ثقتهم أخيراً.

علّمتني هذه التجربة أن التغيير لا يحدث بين عشية وضحاها، فالمنظمات غير الربحية تحاول غالباً التعامل مع مشكلة قد يستغرق حلّها سنوات عديدة لإحداث تأثير ملحوظ؛ ولذلك الصبر ضروري جداً.

أخيراً، أود أن أشير إلى أن التحديات التي ستواجهها خلال العمل في القطاع غير الربحي كفيلة بزيادة قدرتك وقدرة المجتمع على المرونة. كل نجاح صغير دليل على الاقتراب خطوة من بناء عالم ومجتمع واقتصاد شامل؛ عالم يراعي مصلحة الجميع وليس فقط مصلحة قلة من البشر!

لذا، إذا كنت تبحث عن مهنة يلتقي فيها المال بالهدف والمعنى، فقد يكون القطاع غير الربحي مناسباً لك.

ترجمة بيتنا أونلاين؛ المقال مترجم من https://bit.ly/40TlEca

مساحة إعلانية